كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُ لَا لِحِكْمَةٍ يَلْزَمُهُ تَجْوِيزُ وُقُوعِ ذَلِكَ [مِنْهُ] (¬1) وَإِمْكَانُ وُقُوعِهِ مِنْهُ (¬2) وَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ. وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ (¬3) ، لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَمُقَدَّسٌ عَنْهُ، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ (¬4) أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ سَفَهًا، فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ سَفَهًا إِذَا كَانَ وَجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ وُجُودَهَا نَافِعٌ وَعَدَمَهَا مُضِرٌّ، وَإِنْ كَانُوا مُتَنَازِعِينَ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ (¬5) الرَّبُّ خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّ نِزَاعَهُمْ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثِ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزُ الْوُقُوعِ لَمْ تَكُنِ الطَّاعَةُ سَفَهًا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (¬6) يُجَوِّزُونَ الْغُفْرَانَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجَوِّزُونَ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ سَفَهًا، بَلْ هَذَا الِاجْتِنَابُ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعِ: أَنْ يُقَالَ: فِعْلُ النَّوَافِلِ لَيْسَ سَفَهًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُثِيبَ اللَّهُ (¬7) الْعَبْدَ بِدُونِ ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ (¬8) أُخَرَ فَالشَّيْءُ الَّذِي عُلِمَ نَفْعُهُ
¬_________
(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬2) عِبَارَةُ وَإِمْكَانُ وُقُوعِهِ مِنْهُ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬3) أ، ب: وَهُمْ لَا يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ ; ن: وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِهِ ; م: وَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِهِ.
(¬4) أ، ب: لَمْ يَلْزَمْ.
(¬5) ن: يَجْعَلَ.
(¬6) وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬7) ن، م، ع: أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ.
(¬8) ن: تِلْكَ لِأَسْبَابٍ ; م: تِلْكَ الْأَسْبَابِ.

الصفحة 90