كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 4)

وَبَنِي الْعَبَّاسِ، بَلْ وَلَوِ اعْتَقَدَ مُعْتَقِدٌ عِصْمَةَ سَائِرِ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ، الَّذِينَ هُمْ مُسْلِمُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لَكَانَ خَيْرًا مِمَّنِ اعْتَقَدَ عِصْمَةَ هَؤُلَاءِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجَهْلَ الَّذِي يُوجَدُ فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ أَهْلِ السُّنَّةِ، يُوجَدُ فِي الشِّيعَةِ مِنَ الْجَهْلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ [مِنْهُ] (¬1) ، لَا سِيَّمَا وَجَهْلُ أُولَئِكَ أَصْلُهُ جَهْلُ نِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ لَا جَهْلُ تَأْوِيلٍ وَبِدْعَةٍ. وَهَؤُلَاءِ أَصْلُ جَهْلِهِمْ لَمْ يَكُنْ جَهْلَ نِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ، بَلْ جَهْلَ بِدْعَةٍ وَتَأْوِيلٍ وَقِلَّةِ عِلْمٍ بِالشَّرِيعَةِ.
وَلِهَذَا إِذَا تَبَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ [مُحَمَّدًا] (¬2) رَسُولَهُ رَجَعُوا عَنْ جَهْلِهِمْ وَبِدْعَتِهِمْ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ الْمَلَاحِدَةِ فَيَعْلَمُونَ فِي الْبَاطِنِ أَنَّ مَا يَقُولُونَهُ مُنَاقِضٌ لِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ وَضَعَ نَامُوسًا بِعَقْلِهِ وَفَضِيلَتِهِ، فَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نَضَعَ نَامُوسًا كَمَا وَضَعَ نَامُوسًا، إِذْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ مُكْتَسَبَةً، وَهِيَ [عِنْدَهُمْ] (¬3) مِنْ جِنْسِ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ، وَالشَّرَائِعُ مِنْ جِنْسِ سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ الْعَادِيَّةِ، فَيُجَوِّزُونَ أَنْ تُنْسَخَ شَرِيعَتُهُ بِشَرِيعَةٍ يَضَعُهَا الْوَاحِدُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْعَامَّةِ، فَأَمَّا الْخَاصَّةُ إِذَا عَلِمُوا بَاطِنَهَا فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْوَاجِبَاتُ وَتُبَاحُ لَهُمُ الْمَحْظُورَاتُ.
وَهَؤُلَاءِ وَنَحْوُهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَلْ إِذَا قُدِّرَ قَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ عِصْمَةَ الْوَاحِدِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَوْ بَنِي الْعَبَّاسِ، أَوْ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ
¬_________
(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(¬2) مُحَمَّدًا: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .
(¬3) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
1 -

الصفحة 520