كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 4)
الْمُلُوكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِي، مَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ رَحْمَةً، وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ نِقْمَةً، فَلَا تَشْتَغِلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ، وَأَطِيعُونِي أُعَطِّفْ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكُمْ» (¬1) .
وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزَمَهُمُ الْكُفَّارُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 165] .
وَالذُّنُوبُ تُرْفَعُ عُقُوبَتُهَا [بِالتَّوْبَةِ] وَالِاسْتِغْفَارِ (¬2)
وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ.
وَالْقَتْلُ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأُمَّةِ مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ ذُنُوبَهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَالْفِتْنَةُ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ (¬3) ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ: أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، فَبِالْهُدَى يُعْرَفُ الْحَقُّ، وَبِدِينِ الْحَقِّ يُقْصَدُ الْخَيْرُ وَيُعْمَلُ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمٍ بِالْحَقِّ، وَقَصْدٍ لَهُ وَقُدْرَةٍ عَلَيْهِ. وَالْفِتْنَةُ تُضَادُّ ذَلِكَ ; فَإِنَّهَا تَمْنَعُ مَعْرِفَةَ
¬_________
(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 3/133.
(¬2) ن، م، و: تُرْفَعُ عُقُوبَتُهَا بِالِاسْتِغْفَارِ.
(¬3) ص: مُتَوَفِّرُونَ.
الصفحة 547