كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 4)

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يُمَاثِلُهُ أَحَدٌ فِي قُرَيْشٍ، فَضْلًا عَنْ وُجُودِهِ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ [وَغَيْرِ الْعَرَبِ] (¬1) ، وَكَانَ فِي قُرَيْشٍ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الْعَشَرَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَرَبِ وَغَيْرِ الْعَرَبِ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي سَائِرِ الْأَجْنَاسِ.
فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي الصِّنْفِ الْأَفْضَلِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْمَفْضُولِ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَالْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ أَفْضَلُ مِنَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِثْلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ دُونَ مَنْ أَلْغَى فَضِيلَةَ الْأَنْسَابِ (¬2) مُطْلَقًا، وَدُونَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفَضِّلُ الْإِنْسَانَ بِنَسَبِهِ عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَتَقْوَى. فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ. بَلِ الْفَضِيلَةُ بِالنَّسَبِ (¬3) فَضِيلَةُ جُمْلَةٍ، وَفَضِيلَةٌ لِأَجْلِ الْمَظِنَّةِ وَالسَّبَبِ، وَالْفَضِيلَةُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَضِيلَةُ تَعْيِينٍ وَتَحْقِيقٍ وَغَايَةٍ ; فَالْأَوَّلُ يُفَضَّلُ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَعَلَامَةٌ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةٍ تُسَاوِيهَا فِي الْعَدَدِ. وَالثَّانِي: يُفَضَّلُ بِهِ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَالْغَايَةُ (¬4) ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَتْقَى
¬_________
(¬1) وَغَيْرِ الْعَرَبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (و) : أَوْ غَيْرِ الْعَرَبِ.
(¬2) الْأَنْسَابِ كَذَا فِي (ن) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْإِنْسَانِ.
(¬3) ن: فِي النَّسَبِ.
(¬4) ن: لِأَنَّهُ الْغَايَةُ وَالْحَقِيقَةُ.

الصفحة 603