كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 4)
يَدُلُّ - إِنْ دَلَّ - عَلَى حُسْنِ السُّؤَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سُئِلَ أَحْسَنَ أَنْ يُجِيبَ. ثُمَّ إِنْ كَانَ ذِكْرُ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ وَاجِبًا، فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأَقْسَامَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ بَعْضِهَا، فَإِنَّهُ (¬1) مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْسَامِ أَنْ يُقَالَ: مُتَعَمِّدًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا؟ .
وَهَذَا التَّقْسِيمُ أَحَقُّ بِالذِّكْرِ مِنْ قَوْلِهِ: " عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا " فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ وَالْمُخْطِئِ ثَابِتٌ فِي الْإِثْمِ (¬2) بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَفِي لُزُومِ الْجَزَاءِ فِي الْخَطَأِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، فَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَهِيَ (¬3) إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالُوا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 95] ، فَخَصَّ الْمُتَعَمِّدَ بِإِيجَابِ (¬4) الْجَزَاءِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخْطِئَ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالنَّصُّ إِنَّمَا أَوْجَبَ (¬5) عَلَى الْمُتَعَمِّدِ، فَبَقِيَ الْمُخْطِئُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِالْمُتَعَمِّدِ يَقْتَضِي انْتِقَاءَهُ عَنِ الْمُخْطِئِ فَإِنَّ هَذَا مَفْهُومُ صِفَةٍ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَاصَّ بَعْدَ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ كَانَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ} يُبَيِّنُ (¬6) الْحُكْمَ مَعَ الْإِيجَازِ، فَإِذَا
¬_________
(¬1) ب، ص: فَإِنَّ.
(¬2) ب (فَقَطْ) : بِالْإِثْمِ.
(¬3) أ، ب، ص، هـ، و: وَهُوَ.
(¬4) أ، ب: بِوُجُوبِ.
(¬5) ب (فَقَطْ) : وَجَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬6) أ، ب: بَيَّنَ.
الصفحة 70
622