كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 4)

لِأَحَدٍ، لِأَجْلِ هَذَا الْخَوْفِ، لَمْ يَكُنْ فِي وُجُودِهِ لُطْفٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ، فَكَانَ هَذَا مُنَاقِضًا لِمَا أَثْبَتُوهُ. بِخِلَافِ مَنْ أُرْسِلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَكُذِّبَ، فَإِنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَحَصَلَ لِمَنْ آمَنَ مِنَ اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ مَا هُوَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لِطَائِفَتِهِ إِلَّا الِانْتِظَارُ لِمَنْ لَا يَأْتِي، وَدَوَامُ الْحَسْرَةِ وَالْأَلَمِ، وَمُعَادَاةُ الْعَالَمِ، وَالدُّعَاءُ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ لَهُ بِالْخُرُوجِ [وَالظُّهُورِ] (¬1) (* مِنْ مُدَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً لَمْ (¬2) يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. ثُمَّ إِنْ عُمِّرَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *) (¬3) هَذِهِ الْمُدَّةَ أَمْرٌ يُعْرَفُ كَذِبُهُ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ وُلِدَ فِي دِينِ (¬4) الْإِسْلَامِ وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً (¬5) ، فَضْلًا عَنْ هَذَا الْعُمُرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬6) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ: " «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّهُ (¬7) عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَيْهَا (¬8) أَحَدٌ» (¬9) .
¬_________
(¬1) وَالظُّهُورِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (أ) ، (ب) : بِالظُّهُورِ وَالْخُرُوجِ.
(¬2) ب (فَقَطْ) : وَلَمْ.
(¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .
(¬4) ب (فَقَطْ) : زَمَنِ.
(¬5) ن، م، ر، هـ، و: مَائِةً وَعَشْرَ سِنِينَ.
(¬6) ص: فِي الصَّحِيحَيْنِ.
(¬7) ب، م: فَإِنَّ.
(¬8) ص، هـ، و، ر: عَلَيْهَا الْيَوْمَ.
(¬9) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/119 120 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعَشَاءِ) وَنَصُّهُ: صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ". فَوَهَلَ النَّاسُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي: الْبُخَارِيِّ 1 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ) ، 1/113 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْعَشَاءِ وَالْعَتَمَةِ. .) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا فِي: مُسْلِمٍ 4/1965 1966 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ) ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/176 (كِتَابُ الْمَلَاحِمِ، بَابُ قِيَامِ السَّاعَةِ) سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/354 355 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ 55) . وَقَالَ مُحَقِّقُ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: " وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ بْنَ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ سَنَةَ مِائَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ "

الصفحة 91