كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)
الْحَسَنَاتِ وَتُوزَنْ حَسَنَاتُهُ مَعَ سَيِّئَاتِهِ، كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا يُقَدَّسُ (¬1) اللَّهُ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 49] فَهَلْ يُقَالُ: هَذَا النَّفْيُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَعَ أَحَدٍ مَا لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ أَوْ لَا يَظْلِمُهُمْ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، بَلْ يُحْصِيهَا كُلَّهَا وَيُثِيبُهُمْ (¬2) عَلَيْهَا؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُثَابُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَلَا يُنْقَصُ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا يُعَاقَبُ إِلَّا عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَأَنَّ عُقُوبَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَبَخْسَ حَسَنَاتِهِ ظُلْمٌ يُنَزَّهُ (¬3) الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: 35] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [سُورَةُ ص: 28] . وَقَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 21] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنَ الْحُكْمِ السَّيِّئِ الَّذِي يُنَزَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ
¬_________
(¬1) ن، م: تَقَدَّسَ.
(¬2) و: يَحْصُرُهَا كُلَّهَا وَيُثِيبُهُ.
(¬3) ن، م: تَنَزَّهَ.
الصفحة 106