كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 4] ، وَالِاعْتِبَارُ أَنْ يَعْبُرَ مِنْهُمْ إِلَى أَمْثَالِهِمْ، فَيَعْرِفَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ كَمَا فَعَلُوا اسْتَحَقَّ كَمَا اسْتَحَقُّوا وَلَوْ كَانَ تَعَالَى قَدْ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَقَدْ لَا يُسَوِّي، لَمْ يُمْكِنِ الِاعْتِبَارُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ (¬1) مِمَّا يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حُكْمِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ (¬2) ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الِاعْتِبَارِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْكَلَامِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الِاعْتِبَارِ (¬3) يَتَضَمَّنُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ هَذَا فِي حُكْمِهِ، فَإِذَا اعْتَبَرُوا بِهَا فِي أَمْرِهِ الشَّرْعِيِّ لِدَلَالَةِ مُطْلَقِ الِاعْتِبَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلَّا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى حُكْمِهِ الْخَلْقِيِّ الْكَوْنِيِّ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهُوَ الَّذِي قُصِدَ بِالْآيَةِ فَدَلَالَتُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى؟ .
فَعُلِمَ أَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الذَّنْبِ مُتَمَاثِلَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ،
¬_________
(¬1) و: الْمَعْنَى.
(¬2) و: الْمَعْنَى.
(¬3) ح: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ، ر: يَكُونُ الِاعْتِبَارُ.

الصفحة 109