كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

فَالنَّجَاشِيُّ وَأَمْثَالُهُ سُعَدَاءُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَلْتَزِمُوا (¬1) مَعَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْتِزَامِهِ، بَلْ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي يُمْكِنُهُمُ الْحُكْمُ بِهَا، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 199] . وَهَذِهِ الْآيَةُ قَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ (¬2) ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَهَذَا مُرَادُ الصَّحَابَةِ، لَكِنْ (¬3) هُوَ الْمُطَاعُ ; فَإِنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَفْظُ الْجَمْعِ لَمْ يُرَدْ بِهَا وَاحِدٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ (¬4) الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٍ مِنَ الرُّومِ كَانُوا (¬5) عَلَى دِينِ عِيسَى فَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) .
¬_________
(¬1) و: لَمْ يَلْزَمُوا.
(¬2) و: وَفِي الصَّحَابَةِ.
(¬3) ب: وَلَكِنْ.
(¬4) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .
(¬5) ب: وَكَانُوا.
(¬6) انْظُرْ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: الدُّرَّ الْمَنْثُورَ لِلسُّيُوطِيِّ 2/113؛ وَذَكَرَ مِنْ وُجُوهِ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَفِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ آمَنُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ وَصَدَّقُوا بِهِ. وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ ط. الْمَعَارِفِ 7/496 - 500، زَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/532 - 533 وَذَكَرَ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ وُجُوهِ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: فِي أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَثَلَاثِينَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٍ مِنَ الرُّومِ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى فَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَهُ عَطَاءٌ. وَانْظُرْ: تَفْسِيرَ ابْنِ عَطِيَّةَ: الْمُحَرَّرُ الْوَجِيزُ فِي تَفْسِيرِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ عَطِيَّةَ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 546 هـ، تَحْقِيقُ الْمَجْلِسِ الْعِلْمِيِّ، فَاسَ الْمَغْرِبِ، 1397 1977 ص 327 - 328 وَانْظُرْ: تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ ط. الشَّعْبِ 2/168 - 169.

الصفحة 114