كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)
وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] . وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ثُمَّ قَالَ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ثُمَّ قَالَ: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 111] وَهَذَا عَائِدٌ إِلَيْهِمْ جَمِيعِهِمْ لَا إِلَى أَكْثَرِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 111] . وَقَدْ يُقَاتِلُونَ وَفِيهِمْ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، يَشْهَدُ الْقِتَالَ مَعَهُمْ وَلَا يُمْكِنُهُ الْهِجْرَةُ، وَهُوَ مُكْرَهٌ عَلَى الْقِتَالِ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ.
كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَغْزُو جَيْشٌ هَذَا الْبَيْتَ، فَبَيْنَمَا هُمْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ إِذْ خُسِفَ بِهِمْ ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِيهِمُ الْمُكْرَهُ؟ فَقَالَ: " يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» " (¬1) .
¬_________
(¬1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/149 كِتَابُ الْحَجِّ بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَجَاءَ مُطَوَّلًا عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/65 - 66 كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا ذُكِرَ مَا فِي الْأَسْوَاقِ، وَنَصُّهُ: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ؛ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ) قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) وَرَوَى النَّسَائِيُّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ 5/162 - 163 كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقَيْنِ وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَخَصَّصَ ابْنُ مَاجَهْ بَابًا فِي سُنَنِهِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ 2/1350 - 1351 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ جَيْشِ الْبَيْدَاءِ، ذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ حَفْصَةَ وَصَفِيَّةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَعَلَّ فِيهِمُ الْمُكْرَهُ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ. وَالْحَدِيثُ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 6/318
الصفحة 121