كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَيُسْخِطُهُ، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ.
قَالُوا: وَلَيْسَ كُلُّ مَا أَمَرَ الْعِبَادَ بِهِ وَأَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، أَرَادَ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَهُمْ وَيُعِينَهُمْ عَلَيْهِ، بَلْ إِعَانَتُهُ عَلَى الطَّاعَةِ لِمَنْ أَمَرَهُ بِهَا فَضْلٌ مِنْهُ كَسَائِرِ النِّعَمِ، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ.
وَالطَّائِفَتَانِ غَلِطُوا مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ [لَمْ] (¬1) يُمَيِّزُوا بَيْنَ إِرَادَتِهِ لِمَا يَخْلُقُهُ فِي عِبَادِهِ، وَإِرَادَتُهُ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ عِبَادَهُ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 54] ، فَالرَّبُّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ مَا خَلَقَهُ فَبِإِرَادَتِهِ خَلَقَهُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَمَا كَانَ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ [أَنْ يَخْلُقَ] (¬2) إِلَّا مَا سَبَقَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ سَيَخْلُقُهُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يُطَابِقُ الْمَعْلُومَ.

وَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ (¬3) بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي تَنْفَعُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تَضُرُّهُمْ. وَالْحَسَنَاتُ مَحْبُوبَةٌ لِلَّهِ مَرْضِيَّةٌ (¬4) وَالسَّيِّئَاتُ مَكْرُوهَةٌ لَهُ يَسْخَطُهَا وَيَسْخَطُ عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مَخْلُوقًا لَهُ، فَإِنَّهُ خَلَقَ جِبْرِيلَ وَإِبْلِيسَ، وَهُوَ يُحِبُّ جِبْرِيلَ وَيُبْغِضُ إِبْلِيسَ، وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، وَخَلَقَ الظِّلَّ وَالْحَرُورَ، وَخَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، وَ [خَلَقَ] الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَ [خَلَقَ] الْأَعْمَى (¬5) وَالْبَصِيرَ.
¬_________
(¬1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(¬2) أَنْ يَخْلُقَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(¬3) ن، م: عِبَادَهُ.
(¬4) ح، ب: مَحْبُوبَةٌ مَرْضِيَّةٌ لِلَّهِ.
(¬5) ن، م: وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْأَعْمَى. .

الصفحة 312