كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

بِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا الصُّورَةُ الْمُجَرَّدَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَسَنَةً مُشْتَهَاةً، كَشَهْوَةِ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ لِلرِّجَالِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَهَاةً، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» " (¬1) ، وَيُقَالُ: وَلَا إِلَى لِبَاسِكُمْ.
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا - وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 73 - 74] ، وَالْأَثَاثُ: اللِّبَاسُ وَالْمَالُ. وَالرِّئْيُ: الْمَنْظَرُ وَالصُّورَةُ.
وَقَالَ - تَعَالَى -[عَنِ الْمُنَافِقِينَ] (¬2) : {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4] ، فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ أَجْسَامًا وَمَنَاظِرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ ابْنُ أُبَيٍّ جَسِيمًا، فَصِيحًا، طَلْقَ (¬3) اللِّسَانِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِحُسْنِ الصُّورَةِ وَإِبَانَةِ الْمَنْطِقِ، ثُمَّ أَبَانَ أَنَّهُمْ فِي عَدَمِ الْفَهْمِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِمَنْزِلَةِ الْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ الْمُمَالَةِ إِلَى الْجِدَارِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَشْجَارٍ تُثْمِرُ (¬4) ، [بَلْ هِيَ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ إِلَى
¬_________
(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1987 (كِتَابُ الْبِرِّ، بَابُ تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1388، كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الْقَنَاعَةِ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) 14/277 رَقْمُ 7814 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/539
(¬2) عَنِ الْمُنَافِقِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(¬3) و: ذلق
(¬4) م: مُثْمِرَةٍ، و: وَثَمَرٍ.

الصفحة 316