كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

أَسَفًا، أَيْ: غَضِبْتُ] (¬1) .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 93] .
وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬2) مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ (¬3) مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ (¬4) تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا هُوَ بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ. فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» " (¬5) .
وَالْفَرَحُ إِنَّمَا يَكُونُ بِحُصُولِ الْمَحْبُوبِ، وَالْمُذْنِبُ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ مِنْ مَوْلَاهُ الْفَارِّ مِنْهُ، فَإِذَا تَابَ فَهُوَ كَالْعَائِدِ إِلَى مَوْلَاهُ وَإِلَى طَاعَتِهِ. وَهَذَا الْمَثَلُ (¬6) الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَفَرَحِهِ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ، وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِمَعَاصِيهِ، مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَقَدَ الدَّابَّةَ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ (¬7) ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ مِنَ التَّأَذِّي، مِنْ جِهَةِ فَقْدِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمَرْكَبِ، وَكَوْنِ الْأَرْضُ مَفَازَةً لَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا، وَإِذَا طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا يَئِسَ وَاطْمَأَنَّ إِلَى الْمَوْتِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَهَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْفَرَحِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِوُجُودٍ (¬8) مَا يُحِبُّهُ
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(¬2) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ.
(¬3) ب فَقَطْ: دَاوِيَةٍ.
(¬4) ب: فَنَامَ، م: فَمَالَ.
(¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/430
(¬6) و: لَكِنَّ هَذَا الْمَثَلَ.
(¬7) و: وَشَرَابُهُ فِي الْهَلَكَةِ.
(¬8) و: بِوُجُودِهِ.

الصفحة 323