كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

يَجْعَلُونَ الْكَمَالَ فِي فَنَاءِ الْعَبْدِ عَنْ حُظُوظِهِ، دَخَلُوا فِي مَقَامِ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ: (¬1) الْعَارِفُ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً وَلَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً. وَيَجْعَلُونَ (¬2) هَذَا غَايَةَ الْعِرْفَانِ، فَيَبْقَى عِنْدَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، وَلَا بَيْنَ الْإِيمَانِ (¬3) وَالْكُفْرِ بِهِ، وَلَا بَيْنَ حَمْدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَعِبَادَتِهِ، وَبَيْنَ سَبِّهِ وَشَتْمِهِ، وَجَعْلِهِ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ، وَلَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ (¬4) ، وَلَا بَيْنَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ (¬5) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَا ثَمَّ إِلَّا مَا هُوَ حَظٌّ لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ صَارُوا مُسَخَّرِينَ فِي الْعِبَادَاتِ مُسْتَثْقِلِينَ لَهَا (¬6) ، وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرْتَعٌ لِلشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُمْ: لِمَ لَا يُنْعِمُ بِالثَّوَابِ بِدُونِ هَذَا التَّكْلِيفِ (¬7) ؟ فَإِذَا أَجَابُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَنَّ هَذَا أَلَذُّ (¬8) كَانَ هَذَا (¬9) مِنْ أَبْرَدِ الْأَجْوِبَةِ وَأَسْمَجِهَا (¬10) .
¬_________
(¬1) و: الَّذِي فِيهِ يَقُولُونَ، ح، ب، م: الَّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ.
(¬2) ح، ر: وَيَجْعَلُ.
(¬3) ن، و: وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِهِ.
(¬4) ن، م: وَلَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي جَهْلٍ، و: وَلَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ.
(¬5) ن، م: عَلَى هَذَا.
(¬6) ن، م: مُسْتَقِلِّينَ لَهَا.
(¬7) ح، ر، ي: التَّكَلُّفِ.
(¬8) ح: بِأَنَّ هَذَا الَّذِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬9) بَعْدَ عِبَارَةِ " كَانَ هَذَا " تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ فِي مُصَوَّرَةٍ (م) وَسَأُشِيرُ إِلَى بِدَايَةِ الْكَلَامِ الْمَوْجُودِ فِيهَا عِنْدَ مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
(¬10) وَأَسْمَجِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) .

الصفحة 326