كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

غَيْرَ مُعَظِّمٍ لِلرَّسُولِ، زَعَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى حَدَّ الرَّسُولِ، وَهَذَا الضَّلَالُ حَدَثَ قَدِيمًا مِنْ جُهَّالِ الْعِبَادِ.
وَلِهَذَا كَانَ الْعَارِفُونَ، كَالْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ: سَيِّدِ الطَّائِفَةِ (¬1) - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - (¬2) لَمَّا سُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ قَالَ: " التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنِ الْقِدَمِ " (¬3) فَإِنَّهُ كَانَ عَارِفًا، وَرَأَى أَقْوَامًا يَنْتَهِي بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى الِاتِّحَادِ، فَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَكَانَ أَيْضًا [طَائِفَةٌ] (¬4) مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَعُوا فِي الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، الَّذِي لَا يُمَيَّزُ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، فَدَعَاهُمُ الْجُنَيْدُ إِلَى الْفَرْقِ الثَّانِي، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ، الَّذِي يُمَيَّزُ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَالَفَهُ، وَمِنْهُمْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ مَا جَرَى مِنْ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْرَابِيُّ فِي " طَبَقَاتِ
¬_________
(¬1) سَيِّدِ الطَّائِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) .
(¬2) ح، ب: سِرَّهُ، وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ الْبَغْدَادِيُّ الْخَزَّارُ، أَصْلُ أَبِيهِ مِنْ نَهَاوَنْدَ، وَكَانَ يَبِيعُ الزُّجَاجَ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الْقَوَارِيرِيُّ، وَالْجُنَيْدُ إِمَامُ الصُّوفِيَّةِ، وَسُمِّيَ بِسَيِّدِ الطَّائِفَةِ لِضَبْطِ مَذْهَبِهِ بِقَوَاعِدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 279 وَقِيلَ 298 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَأَقْوَالَهُ فِي: طَبَقَاتُ الصُّوفِيَّةِ ص 155 - 163، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/72 - 74، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 2/235 - 240، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/323 - 325، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/228 - 230، طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 2/260 - 265، الْأَعْلَامِ 2/137 - 138.
(¬3) أَوْرَدَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَنَسَبَهَا إِلَى الْجُنَيْدِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ 1/24 - 25 وَقَالَ: التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْقِدَمِ مِنَ الْحَدَثِ.
(¬4) طَائِفَةٌ سَاقِطَةٌ مَنْ (ن) .

الصفحة 339