كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ، فَكَيْفَ تُمَيِّزُ؟ " (¬1) .
وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمُمَيِّزَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ هَذَا، لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ ثَالِثًا، بَلْ كُلُّ إِنْسَانٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ ثَالِثًا، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ يُمَيِّزُ نَفْسَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ ثَالِثٌ.
وَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمْثَالُهُ مِنَ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ، وَقَعَ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، حَتَّى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ، وَمِنَ الْمُعَظِّمِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، الْمُحِبِّينَ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذَّابِّينَ عَنْهَا - وَقَعُوا فِي هَذَا غَلَطًا لَا تَعَمُّدًا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ هَذَا نِهَايَةُ التَّوْحِيدِ. كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ " مَنَازِلِ السَّائِرِينَ "
¬_________
(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ، وَيَبْدُو أَنَّهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ لِابْنِ عَرَبِيٍّ، وَوَجَدْتُ نَصًّا مِنْ كِتَابِ " التَّجَلِّيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ "، لِابْنِ عَرَبِيٍّ نَشَرَهُ الدكتور عُثْمَانْ يَحْيَى ضِمْنَ مَقَالِهِ " نُصُوصٌ تَارِيخِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِنَظَرِيَّةِ التَّوْحِيدِ فِي التَّفَكُّرِ الْإِسْلَامِيِّ " وَهُوَ مَقَالٌ فِي " الْكِتَابِ التِّذْكَارِيِّ: مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي الذِّكْرَى الْمِئَوِيَّةِ الثَّامِنَةِ لِمِيلَادِهِ " نَشْرُ الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّشْرِ. 1389/1969 وَهَذَا النَّصُّ فِي ص 264 وَهُوَ: " رَأَيْتُ الْجُنَيْدَ فِي هَذَا التَّجَلِّي فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي التَّوْحِيدِ: يَتَمَيَّزُ الْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ؟ وَأَيْنَ تَكُونُ أَنْتَ عِنْدَ هَذَا التَّمْيِيزِ؟ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا وَلَا رَبًّا، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِي بَيْنُونَةٍ تَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ وَالْعِلْمَ بِالْمَقَامَيْنِ، مَعَ تَجَرُّدِكَ عَنْهُمَا حَتَّى تَرَاهُمَا، فَخَجِلَ وَأَطْرَقَ "، وَانْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى ص 268

الصفحة 341