كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ ... يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرَمُ (¬1)
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ (¬2) مِنَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثَّانِي فَإِنَّ كَمَالَ] (¬3) حُبِّهِ لِلَّهِ هُوَ مَحَبَّةُ عُبُودِيَّةٍ وَافْتِقَارٍ، لَيْسَتْ كَمَحَبَّةِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ، فَإِنَّهَا مَحَبَّةُ اسْتِغْنَاءٍ وَإِحْسَانٍ.
وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 111] .
فَالرَّبُّ لَا يُوَالِي عَبْدَهُ مِنْ ذُلٍّ (¬4) ، كَمَا يُوَالِي الْمَخْلُوقَ لِغَيْرِهِ، بَلْ يُوَالِيهِ إِحْسَانًا إِلَيْهِ، وَالْوَلِيُّ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَالْوِلَايَةُ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ. وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْحُبُّ، وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ، وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلِيِّ، وَهُوَ الْقُرْبُ. فَهَذَا جُزْءٌ مَعْنَاهُ (¬5) ، فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَقْرُبُ إِلَى (¬6) وَلِيِّهِ، وَالْعَدُوُّ يَبْعُدُ عَنْ عَدُوِّهِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْخَلَّةُ تَسْتَلْزِمُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَاسْتِيعَابَ الْقَلْبِ، لَمْ يَصْلُحْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخَالِلَ مَخْلُوقًا (¬7) ، بَلْ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» " (¬8) .
¬_________
(¬1) الْبَيْتُ مِنْ شِعْرِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى (دِيوَانُهُ، ط. دَارِ الْكُتُبِ ص 153)
(¬2) و: أَنَّهَا.
(¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(¬4) ح، ب: مِنَ الذُّلِّ.
(¬5) و: مَعْنَاهَا.
(¬6) ح، ب: مِنْ.
(¬7) ن، م: أَحَدًا.
(¬8) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512

الصفحة 352