كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا الْفَنَاءَ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا سَيْرُ الْعَارِفِينَ. وَهَذَا أَضْعَفُ [مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ] (¬1) . وَمَا يُذْكَرُ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ (¬2) مِنْ قَوْلِهِ: " مَا فِي الْجُبَّةِ إِلَّا اللَّهُ " وَقَوْلِهِ: " أَيْنَ أَبُو يَزِيدَ؟ أَنَا أَطْلُبُ أَبَا يَزِيدَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ " وَنَحْوُ ذَلِكَ (¬3) ، فَقَدْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفَاقَ أَنْكَرَ هَذَا.
فَهَذَا وَنَحْوُهُ كُفْرٌ، لَكِنْ إِذَا زَالَ الْعَقْلُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ الْإِنْسَانُ، كَالنَّوْمِ
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬2) أَبُو يَزِيدَ طَيْفُورُ بْنُ عِيسَى الْبَسْطَامِيُّ وَيُقَالُ: بَا يَزِيدَ، صُوفِيٌّ شَهِيرٌ لَهُ شَطَحَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَقُولُ الزِّرِكْلِيُّ: " وَفِي الْمُسْتَشْرِقِينَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ وَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ قَائِلٍ بِمَذْهَبِ الْفَنَاءِ Nirvana وَيُعْرَفُ أَتْبَاعُهُ بِالطَّيْفُورِيَّةِ أَوِ الْبَسْطَامِيَّةِ "، وُلِدَ سَنَةَ 188 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 261 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي: طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ ص 67 - 74، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/65 - 66، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 4/89 - 94، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/143 - 144، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/346 - 347، الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ 1/80 - 82، الْأَعْلَامِ 3/339
(¬3) للدكتور عَبْد الرَّحْمَن بَدَوِي كِتَابُ " شَطَحَاتِ الصُّوفِيَّةِ "، أَوْرَدَ فِيهِ الْكَثِيرَ مِنْ شَطَحَاتِ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ وَنَشَرَ فِيهِ رِسَالَةَ " النُّورُ مِنْ كَلِمَاتِ أَبِي طَيْفُورٍ " الْمَنْسُوبَةَ إِلَى السَّهْلَجِيِّ (ط. النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ) ، الْقَاهِرَةِ 1949 " وَوُجَدْتُ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ النَّصَّ التَّالِيَ ص 65. قَصَدَ أَبَا يَزِيدَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ ذِي النُّونِ فَقَالَ لَهُ: مَنْ تَطْلُبُ؟ قَالَ: أَبَا يَزِيدَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَبُو يَزِيدَ يَطْلُبُ أَبَا يَزِيدَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَرَجَعَ إِلَى ذِي النُّونِ وَأَخْبَرَهُ فَغُشِيَ عَلَيْهِ. وَهُوَ نَصٌّ مُقَارِبٌ لِلنَّصِّ الثَّانِي الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (وَانْظُرْ ص 110) . أَمَّا النَّصُّ الْأَوَّلُ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَهُوَ يُنْسَبُ فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَلَّاجِ (انْظُرْ كِتَابَ " مَدْخَلٌ إِلَى التَّصَوُّفِ الْإِسْلَامِيِّ " للدكتور أَبِي الْوَفَا التَّفْتَازَانِيِّ، ص 129 ط. دَارِ الثَّقَافَةِ الْقَاهِرَةِ 1979) ، عَلَى أَنَّ الْبَسْطَامِيَّ لَهُ عِبَارَاتٌ مُشَابِهَةٌ بَلْ أَكْثَرُ شَنَاعَةً مِثْلُ قَوْلِهِ: " سُبْحَانِي مَا أَعْظَمَ سُلْطَانِي "، " شَطَحَاتِ ص 111 " وَقَوْلُهُ لَمَّا جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَرَأَ عِنْدَهُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لِشَدِيدٌ قَالَ: " وَحَيَاتِهِ إِنَّ بَطْشِي أَشَدُّ مِنْ بَطْشِهِ "، (شَطَحَاتِ ص 111) وَقَوْلِهِ: " كُنْتُ أَطُوفُ حَوْلَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا أَنْ وَصَلْتُ إِلَيْهِ رَأَيْتُ الْبَيْتَ يَطُوفُ حَوْلِي " ص 108

الصفحة 357