كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

الرَّبِّ سَوَاءٌ، فَلَا يَسْتَحْسِنُونَ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُونَ سَيِّئَةً.
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ قَوْلِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَوْحِيدِهِمْ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الثَّانِي: " إِنَّهُ إِسْقَاطُ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ " فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ شَيْئًا بِسَبَبٍ، بَلْ يَفْعَلُ عِنْدَهُ لَا بِهِ.
قَالَ: " وَالصُّعُودُ عَنْ مُنَازَعَاتِ الْعُقُولِ، وَعَنِ التَّعَلُّقِ بِالشَّوَاهِدِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَشْهَدَ فِي التَّوْحِيدِ دَلِيلًا، وَلَا فِي التَّوَكُّلِ سَبَبًا، [وَلَا فِي النَّجَاةِ وَسِيلَةً " وَذَلِكَ ; لِأَنَّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ يَكُونُ سَبَبًا] (¬1) لِشَيْءٍ أَصْلًا، وَلَا شَيْءَ جُعِلَ لِأَجْلِ شَيْءٍ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ بِشَيْءٍ.
فَالشِّبَعُ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ بِالْأَكْلِ، وَلَا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي الْقَلْبِ بِالدَّلِيلِ، وَلَا مَا يَحْصُلُ لِلْمُتَوَكِّلِ مِنَ الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ لَهُ سَبَبٌ أَصْلًا: لَا فِي نَفْسِهِ، وَلَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا الطَّاعَاتُ عِنْدَهُمْ سَبَبٌ لِلثَّوَابِ، وَلَا الْمَعَاصِي سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، فَلَيْسَ لِلنَّجَاةِ وَسِيلَةٌ، بَلْ مَحْضُ الْإِرَادَةِ الْوَاحِدَةِ يَصْدُرُ عَنْهَا كُلُّ حَادِثٍ، وَيَصْدُرُ مَعَ الْآخَرِ مُقْتَرِنًا بِهِ اقْتِرَانًا عَادِيًّا، لَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِالْآخَرِ، أَوْ سَبَبٌ لَهُ، أَوْ حِكْمَةٌ لَهُ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا أَمَارَةً وَعَلَمًا، وَدَلِيلًا عَلَى الْآخَرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمُقْتَرِنَيْنِ عَادَةً كَانَ الْآخَرُ مَوْجُودًا مَعَهُ، وَلَيْسَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي الْقَلْبِ حَاصِلًا بِهَذَا الدَّلِيلِ، بَلْ هَذَا أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الِاقْتِرَانَاتِ الْعَادِيَّةِ.
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الصفحة 361