كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

(* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدٍ: " عَسَى أَنْ تُخَلَّفَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ» *) (¬1) ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْصِبْ عَلَى تَوْحِيدِهِ دَلِيلًا، وَلَا جَعَلَ لِلنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ وَسِيلَةً، وَلَا جَعَلَ لِمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَوَكِّلُ مِنْ عِبَادِهِ سَبَبًا.
وَهُوَ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ، وَخَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ بِسَبَبٍ مِنْهُ، لَكِنَّ الْأَسْبَابَ كَمَا قَالَ فِيهَا (¬2) أَبُو حَامِدٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ [بْنُ الْجَوْزِيِّ] (¬3) وَغَيْرُهُمَا: " الِالْتِفَاتُ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا تَغْيِيرٌ (¬4) فِي وَجْهِ الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ ".
وَالتَّوَكُّلُ مَعْنًى يَلْتَئِمُ (¬5) مِنْ مَعْنَى التَّوْحِيدِ (¬6) وَالْعَقْلُ وَالشَّرْعُ، فَالْمُوَحِّدُ (¬7) الْمُتَوَكِّلُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْأَسْبَابِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا،
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) ، وَالْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبُخَارِيُّ 2/81 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ رِثَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ) وَنَصُّهُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ مَرَّةً أُخْرَى فِي 5/68 - 69 (كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ. .) ، وَجَاءَ مَرَّةً ثَالِثَةً فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ.
(¬2) لَكِنَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ فِيهِ.
(¬3) ابْنُ الْجَوْزِيِّ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .
(¬4) ب: تَغْبِيرٌ، وَتَغَيُّرٌ، ن: تُعْتَبَرُ.
(¬5) ح، ر: مُلْتَئِمٌ.
(¬6) ن، م: وَالتَّوَكُّلُ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ مَعْنَى الثَّانِيَةُ مِنْ (ب) .
(¬7) ن، م: فَالْمُؤْمِنُ.

الصفحة 366