كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

يَبْقَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ [بِهِ] (¬1) بِحَيْثُ يَشْهَدُ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمُحْدِثُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ بِمَا أَحْدَثَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلِمَا أَرَادَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ، فَهَذَا حَقٌّ. وَإِنْ أَرَادَ (¬2) أَنِّي لَا أَشْهَدُ قَطُّ مَخْلُوقًا، بَلْ لَا أَشْهَدُ إِلَّا الْقَدِيمَ فَقَطْ ; فَهَذَا نَقْصٌ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّحْقِيقِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَهَذَا إِذَا غَلَبَ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ كَانَ مَعْذُورًا. أَمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا (¬3) أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ; فَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُرَادَهُمْ قَالَ (¬4) : " هَذَا تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ، الَّذِي يَصِحُّ بِعِلْمِ الْفَنَاءِ، وَيَصْفُو فِي عِلْمِ الْجَمْعِ، وَيَجْذِبُ إِلَى تَوْحِيدِ أَرْبَابِ الْجَمْعِ "، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ أَنْ يَشْهَدَ (¬5) الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُجْتَمِعَةً فِي خَلْقِ الرَّبِّ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهَا صَادِرَةٌ بِإِرَادَتِهِ، لَا يُرَجِّحُ (¬6) مَثَلًا عَنْ مَثَلٍ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْن مَأْمُورٍ وَمَحْظُورٍ، وَحَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَأَوْلِيَاءِ [اللَّهِ] وَأَعْدَائِهِ (¬7) .
وَالْوُقُوفُ عِنْدَ هَذَا الْجَمْعِ هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْجُنَيْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ طَرِيقِ أَهْلِ اللَّهِ أَهْلِ الْحَقِّ (¬8) ; فَإِنَّهُمْ أَمَرُوا بِالْفَرْقِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ (¬9) مَعَ هَذَا الْجَمْعِ أَنَّ الرَّبَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ، فَأَحَبَّ هَذَا،
¬_________
(¬1) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ر) ، (ب) ، (ي) .
(¬2) و: وَإِنْ أُرِيدَ.
(¬3) ح: لِمَا.
(¬4) أَيِ: الْأَنْصَارِيُّ الْهَرَوِيُّ، وَهُوَ كَلَامُهُ الَّذِي سَبَقَ مِنْ قَبْلُ.
(¬5) ح، ر، ي: أَنْ تَشْهَدَ.
(¬6) ح، ر، ي: بِإِرَادَةٍ تُرَجِّحُ.
(¬7) ن، م، و: وَأَوْلِيَاءَ وَأَعْدَاءٍ.
(¬8) ب فَقَطْ: أَهْلِ التَّحْقِيقِ.
(¬9) ح، ر، ي: أَنْ تَشْهَدَ.

الصفحة 369