كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَارِثِ نَبِيٍّ، أَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ تَوْحِيدًا لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِهِ، بَلْ كُلُّ مَا عَلِمَهُ الْقَلْبُ أَمْكَنَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، لَكِنْ قَدْ لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا بَعْضُ النَّاسِ.
فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يُبَيِّنَ مَا عَرَّفَهُ اللَّهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ. فَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ.
ثُمَّ يُقَالُ: إِنْ أُرِيدَ بِهَذَا اللَّائِحِ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ نَفْسُهُ هُوَ الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ فِي قُلُوبِ صَفْوَتِهِ لِاتِّحَادِهِ بِهِمْ، أَوْ حُلُولِهِ فِيهِمْ. فَهَذَا قَوْلُ النَّصَارَى، وَهُوَ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلًا.
وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعَرِّفُ صَفْوَتَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ مَا لَا يُعَرِّفُهُ غَيْرَهُمْ. فَهَذَا حَقٌّ، لَكِنْ مَا قَامَ بِقُلُوبِهِمْ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الرَّبِّ [الْخَالِقِ] تَعَالَى (¬1) ، بَلْ هُوَ الْعِلْمُ بِهِ وَمَحَبَّتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ وَتَوْحِيدُهُ.
وَقَدْ يُسَمَّى الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَيُفَسَّرُ بِهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 27] أَيْ فِي قُلُوبِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْمِثَالُ الْحُبِّيُّ وَالْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ (¬2) . وَقَدْ يُخَيَّلُ لِنَاقِصِ الْعَقْلِ إِذَا أَحَبَّ شَخْصًا مَحَبَّةً تَامَّةً، بِحَيْثُ فَنِيَ فِي حُبِّهِ، حَتَّى لَا يَشْهَدَ فِي قَلْبِهِ غَيْرُهُ، أَنَّ نَفْسَ الْمَحْبُوبِ صَارَ (¬3) فِي قَلْبِهِ، وَهُوَ غَالِطٌ (¬4) فِي ذَلِكَ، بَلِ الْمَحْبُوبُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِمَّا فِي بَيْتِهِ، وَإِمَّا فِي الْمَسْجِدِ (¬5) ، وَإِمَّا فِي
¬_________
(¬1) ن، م: لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الرَّبِّ - تَعَالَى -، ب: لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْخَالِقِ، ح، ر، و، ي: لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الرَّبِّ الْخَالِقِ.
(¬2) و: الْمِثَالُ الْعَلِيُّ وَالْمِثَالُ الْحِسِّيُّ.
(¬3) ن: صَارَتْ.
(¬4) ن، م: وَهَذَا غَلَطٌ.
(¬5) ن، م: إِمَّا فِي الْمَسْجِدِ وَإِمَّا فِي بَيْتِهِ.

الصفحة 376