كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

مَوْضِعٍ آخَرَ. وَلَكِنَّ الَّذِي فِي قَلْبِهِ هُوَ مِثَالُهُ.
وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَنْتَ فِي قَلْبِي، وَأَنْتَ فِي فُؤَادِي، وَالْمُرَادُ هَذَا الْمِثَالُ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ ذَاتَهُ، فَإِنَّ ذَاتَهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ. كَمَا يُقَالُ: أَنْتَ بَيْنَ عَيْنَيْ، وَأَنْتَ دَائِمًا عَلَى لِسَانِي (¬1) ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مِثَالُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي ... وَمَثْوَاكَ فِي قَلْبِي فَكَيْفَ تَغِيبُ (¬2)
وَقَالَ آخَرُ:
سَاكِنٌ فِي الْقَلْبِ يَعْمُرُهُ ... لَسْتُ أَنْسَاهُ فَأَذْكُرُهُ
فَجَعَلَهُ سَاكِنًا عَامِرًا لِلْقَلْبِ لَا يُنْسَى، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَاتَهُ حَصَلَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَحْصُلُ (¬3) الْإِنْسَانُ السَّاكِنُ فِي بَيْتِهِ، بَلْ هَذَا الْحَاصِلُ هُوَ الْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ. (* وَقَالَ آخَرُ:
وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ إِلَيْهِمُ ... وَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي
وَتَطْلُبُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا ... وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِي *) (¬4)
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْقَائِلِ: " الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ " وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا وَسِعَتْنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، التَّقِيُّ النَّقِيُّ، الْوَرِعُ (¬5) اللَّيِّنُ (¬6) "، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ
¬_________
(¬1) ح، ر: دَائِمًا فِي لِسَانِي.
(¬2) و: فَأَيْنَ تَغِيبُ.
(¬3) و: جُعِلَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَجْعَلُ.
(¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .
(¬5) الْوَرِعُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْوَارِعُ.
(¬6) قَالَ الْعِجْلُونِيُّ فِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ " 2/195: " ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ " (أَيِ الْغَزَالِيُّ) ، بِلَفْظِ: قَالَ اللَّهُ: لَمْ يَسَعْنِي سَمَائِي وَلَا أَرْضِي، وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ اللَّيِّنِ الْوَادِعِ - قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: لَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا. وَوَافَقَهُ فِي " الدُّرَرِ " تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَذَكَرَ الْعِجْلُونِيُّ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَقَالَ: " وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ فِي " الْمَقَاصِدِ " تَبَعًا لِشَيْخِهِ فِي " اللَّآلِئِ ": لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الدُّرَرِ الْمُنْتَثِرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ " ص 175 تَحْقِيقُ الدكتور مُحَمَّدِ بْنِ لُطْفِي الصَّبَّاغِ، ط. الرِّيَاضِ 1403/1983، وَبَيَّنَ الدكتور الصَّبَّاغُ فِي تَعْلِيقِهِ مَوَاضِعَ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ.

الصفحة 377