كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

بَعْدَ هَذَا اقْرَأْ مَا أَنْزَلَهُ (¬1) إِلَيْكَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِكَ، وَأَنْ تَقْرَأَهُ بِلِسَانِكَ، ثُمَّ أَنْ تُبَيِّنَهُ (¬2) لِلنَّاسِ بَعْدَ ذَهَابِ جِبْرِيلَ عَنْكَ.
وَقَوْلُهُ: " وَالَّذِي يُشَارُ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ الْمُشِيرِينَ أَنَّهُ إِسْقَاطُ الْحَدَثِ (¬3) ، وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ ".
فَيُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِهَذَا نَفْيُ الْمُحْدَثِ (¬4) ، أَيْ: لَيْسَ هُنَا إِلَّا الْقَدِيمُ، وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْمُحْدَثِ (¬5) بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْقَدِيمُ، فَهَذَا شَرٌّ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّهُ قَرِيبٌ إِلَى قَوْلِ الْيَعْقُوبِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى ; فَإِنَّ الْيَعْقُوبِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنِ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ امْتَزَجَا وَاخْتَلَطَا فَصَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا، وَأُقْنُومًا وَاحِدًا، وَطَبِيعَةً وَاحِدَةً، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْيَدَيْنِ اللَّتَيْنِ سَمَّرَتَا (¬6) هُمَا الْيَدَانِ اللَّتَانِ خُلِقَ بِهِمَا آدَمُ.
وَأَمَّا النُّسْطُورِيَّةُ فَيَقُولُونَ بِحُلُولِ اللَّاهُوتِ فِي النَّاسُوتِ، وَالْمَلَكَانِيَّةُ (¬7) يَقُولُونَ: شَخْصٌ وَاحِدٌ، لَهُ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ، بِطَبِيعَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ (¬8) . وَيُشَبِّهُونَهُ بِالْحَدِيدَةِ وَالنَّارِ، وَالنُّسْطُورِيَّةُ يُشَبِّهُونَهُ بِالْمَاءِ فِي الظُّرُوفِ، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ يُشَبِّهُونَهُ بِاخْتِلَاطِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ، وَالْمَاءِ وَالْخَمْرِ (¬9) .
¬_________
(¬1) ب (فَقَطْ) : مَا أُنْزِلَ.
(¬2) و: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ.
(¬3) ب، م: الْحُدُوثُ.
(¬4) و: الْحَدَثِ.
(¬5) ح: فَإِنْ أُرِيدَ نَفْيٌ لِلْحَدَثِ.
(¬6) ن: شَمَّرْنَا
(¬7) ح: وَالْمَلَكِيَّةُ.
(¬8) و: وَنِسْبَتَيْنِ.
(¬9) ب فَقَطْ: وَالْحُمْرِ، وَانْظُرْ أَقْوَالَ الْيَعْقُوبِيَّةِ وَالنُّسْطُورِيَّةِ وَالْمَلَكَانِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ 1/203 - 208 الْفِصَلِ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/110 - 132 وَانْظُرْ كِتَابَ " الْجَوَابِ الصَّحِيحِ لِمَنْ بَدَّلَ دِينَ الْمَسِيحِ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ ط. الْمَدَنِيِّ الْقَاهِرَةِ 1379/1959

الصفحة 382