كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَكُونُ اللَّذَّةُ مَعَ النَّظَرِ بِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ (¬1) .
وَسَمِعَ ابْنُ عَقِيلٍ رَجُلًا يَقُولُ: أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ. فَقَالَ: هَبْ أَنَّ لَهُ وَجْهًا أَفَتَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ؟ ! .
وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى ابْنِ عَقِيلٍ ; فَإِنَّهُ كَانَ فَاضِلًا ذَكِيًّا، وَكَانَ تَتَلَوَّنُ آرَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ; وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرٌ مِمَّا يُوَافِقُ فِيهِ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ ذَاكَ.
وَكَذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي بَنَى هَذَا عَلَى أَصْلِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِي وَافَقَهُمْ فِيهِ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ذَاتَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ الصُّوفِيَّةِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ بَقَايَا أَقْوَالِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَوْ يُحَبُّ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَشَيْخُهُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ أَنْكَرَ حَقِيقَةَ تَكْلِيمِ اللَّهِ لِمُوسَى وَغَيْرِهِ، وَكَانَ جَهْمُ يَنْفِي الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءَ، ثُمَّ انْتَقَلَ بَعْضُ (¬2) ذَلِكَ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ; فَنَفَوُا الصِّفَاتِ دُونَ الْأَسْمَاءِ.
وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا (¬3) ، بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَقَّ بِأَنْ يُحَبَّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحَبَّ غَيْرُهُ إِلَّا لِأَجْلِهِ وَكُلُّ مَا يُحِبُّهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ إِلَّا لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ
¬_________
(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْجُوَيْنِيِّ، وَلَعَلَّهُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ الْمَفْقُودَةِ.
(¬2) ر، ب، ح، ي: بَعْدَ.
(¬3) ح، ب: وَأَئِمَّتِهِمْ.

الصفحة 392