كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَيُنْكِرُ مَا فِي نَفْسِهِ.
فَإِنَّ نَافِيَ مَحَبَّةِ اللَّهِ يَقُولُ: الْمَحَبَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَا يُنَاسِبُ الْمَحْبُوبَ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَبَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ، وَبَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.
فَيُقَالُ: لَفْظُ الْمُنَاسَبَةِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا، أَيْ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ، فَلَا يُنْسَبُ هَذَا إِلَى هَذَا. كَمَا يُقَالُ: لَا نِسْبَةَ لِمَالِ فُلَانٍ إِلَى مَالِ فُلَانٍ، وَلَا نِسْبَةَ لِعِلْمِهِ أَوْ جُودِهِ أَوْ مِلْكِهِ [إِلَى عِلْمِ فُلَانٍ وُجُودِ فُلَانٍ وَمِلْكِ فُلَانٍ،] (¬1) يُرَادُ بِهِ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ حَقِيرَةٌ صَغِيرَةٌ كَلَا نِسْبَةَ، كَمَا يُقَالُ: لَا نِسْبَةَ لِلْخَرْدَلَةِ إِلَى الْجَبَلِ، وَلَا نِسْبَةَ لِلتُّرَابِ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ.
فَإِذَا أُرِيدَ بِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِلْمُحْدَثِ إِلَى الْقَدِيمِ هَذَا الْمَعْنَى وَنَحْوُهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَتِ الْمَحَبَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذِهِ النِّسْبَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنْ لَيْسَ فِي الْقَدِيمِ مَعْنًى يُحِبُّهُ لِأَجْلِهِ الْمُحْدَثُ، فَهَذَا رَأَسُ الْمَسْأَلَةِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَالْقَدِيمِ مَا يُحِبُّ الْمُحْدَثُ الْقَدِيمَ لِأَجْلِهِ؟ وَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ الْقَدِيمَ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؟
وَالْمَحَبَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ نَقْصًا، بَلْ هِيَ صِفَةُ كَمَالٍ، بَلْ هِيَ أَصْلُ الْإِرَادَةِ. فَكُلُّ إِرَادَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْتَلْزِمَ مَحَبَّةً؛ فَإِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُرَادُ ; لِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ، أَوْ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَحْبُوبِ. وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْمَحَبَّةِ لَامْتَنَعَتِ الْإِرَادَةُ ; فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ لَازِمَةٌ لِلْإِرَادَةِ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

الصفحة 400