كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

أُولَئِكَ أَثْبَتُوا قُرْآنَيْنِ: قُرْآنًا قَدِيمًا، وَقُرْآنًا مَخْلُوقًا. فَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يُشَنِّعُونَ عَلَى أُولَئِكَ بِإِثْبَاتِ قُرْآنَيْنِ.
فَقَالَ لَهُمْ أُولَئِكَ: فَأَنْتُمْ إِذَا جَعَلْتُمُ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ - وَهُوَ قَدِيمٌ - كَلَامَ اللَّهِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا، وَكُنْتُمْ مُوَافِقِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ ; فَإِنَّ قَوْلَكُمْ: إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ قَدِيمٌ. مُمْتَنِعٌ فِي صَرَائِحِ الْعُقُولِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَنَحْنُ وَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ نُنْكِرُ عَلَيْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، وَنَقُولُ: إِنَّكُمُ ابْتَدَعْتُمُوهُ وَخَالَفْتُمْ بِهِ الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تَكُونُ السِّينُ الْمُعَيَّنَةُ الْمَسْبُوقَةُ بِالْبَاءِ الْمُعَيَّنَةِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً (¬1) ، وَتَكُونُ الْحُرُوفُ الْمُتَعَاقِبَةُ قَدِيمَةً، وَالصَّوْتُ (¬2) الَّذِي كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ قَدِيمًا؟ ! .
وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَقُولُونَهُ، وَيَقُولُهُ ابْنُ سَالِمٍ وَأَصْحَابُهُ (¬3) ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ ; فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ ذَكَرَ فِي " نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ " أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ السَّلَفِ، وَلَا قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَا أَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ، وَلَا جُمْهُورِهِمْ.
فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَافِقِينَ لِلسَّالِمِيَّةِ، وَأُولَئِكَ الْمُوَافِقِينَ لِلْكُلَّابِيِّةِ، بَيْنَهُمْ مُنَازَعَاتٌ وَمُخَاصَمَاتٌ، بَلْ وَفِتَنٌ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا: إِنَّ
¬_________
(¬1) ن: قَدِيمَةً وَأَزَلِيَّةً.
(¬2) و، ر، ي: أَوِ الصَّوْتُ.
(¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ السَّالِمِيَّةِ 1/156

الصفحة 420