كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

الْقُرْآنَ قَدِيمٌ. وَهِيَ أَيْضًا بِدْعَةٌ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا السَّلَفُ كَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ (¬1) ، وَكَانَ قَوْلُهُمْ أَوَّلًا: إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ كَافِيًا (¬2) عِنْدَهُمْ. فَإِنَّ مَا كَانَ كَلَامًا لِمُتَكَلِّمٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ فِي الْكَلَامِ، وَفِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ لَا تَكُونُ قَطُّ قَائِمَةً بِهِ، بَلْ لَا تَكُونُ إِلَّا بَائِنَةً عَنْهُ.
وَمَا يَزْعُمُهُ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ وَإِرَادَتَهُ، وَمَحَبَّتَهُ وَكَرَاهَتَهُ، وَرِضَاهُ وَغَضَبَهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ - كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقَاتٌ لَهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ ; هُوَ مِمَّا أَنْكَرَهُ السَّلَفُ عَلَيْهِمْ وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ، بَلْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ الرَّسُولِ (¬3) ، وَجُحُودِ مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ.
وَكَلَامُ السَّلَفِ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ، بَلْ (¬4) وَإِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ، كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ السَّلَفُ: [إِنَّ] (¬5) غَضَبَهُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ قَدِيمٌ، وَلَا أَنَّ فَرَحَهُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ قَدِيمٌ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْجَزَاءِ لِعِبَادِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، مِنْ رِضَاهُ وَغَضَبِهِ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدِيمٌ ; فَإِنَّ الْجَزَاءَ لَا يَكُونُ قَبْلَ الْعَمَلِ.
¬_________
(¬1) فِي هَامِشِ (ر) ، (ي) كَتَبَ مَا يَلِي: " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: بَدَأَ مِنْهُ تَنْزِيلًا، وَيَعُودُ إِلَيْهِ حُكْمًا ".
(¬2) كَافِيًا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَافٍ.
(¬3) وَ: الرُّسُلِ.
(¬4) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ب) .
(¬5) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

الصفحة 421