كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الضَّلَالِ الَّذِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيهِ كَمَا يَنْظُرُونَ فِي كَلَامِ سَلَفِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَهُمُ الَّذِينَ عَشَوْا عَنْهُ فَقُيِّضَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ، تَقْتَرِنُ بِهِمْ وَتَصُدُّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.
وَلِهَذَا لَا تَجِدُ فِي كَلَامِ مَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بَيَانَ الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا أَبَدًا ; لِكَثْرَةِ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ (¬1) .
وَحَدَّثَنِي غَيْرُ مَرَّةٍ رَجُلٌ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالذَّكَاءِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالدِّينِ، أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَ عَلَى شَخْصٍ سَمَّاهُ لِي، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، دُرُوسًا مِنَ " الْمُحَصَّلِ " لِابْنِ الْخَطِيبِ، وَأَشْيَاءَ مِنْ " إِشَارَاتِ " ابْنِ سِينَا. قَالَ: فَرَأَيْتُ حَالِي قَدْ تَغَيَّرَ، وَكَانَ لَهُ نُورٌ وَهُدًى، وَرُؤِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ سَيِّئَةٌ، فَرَآهُ صَاحِبُ النُّسْخَةِ بِحَالٍ سَيِّئَةٍ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: هِيَ مِنْ كِتَابِكَ.
وَإِشَارَاتُ ابْنِ سِينَا يَعْرِفُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهَا إِلْحَادًا كَثِيرًا، بِخِلَافِ " الْمُحَصَّلِ " يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ فِيهِ بُحُوثًا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ.
قَالَ فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ: مُحَصَّلٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ حَاصِلُهُ مِنْ بَعْدِ تَحْصِيلِهِ أَصْلٌ بِلَا دِينِ أَصْلُ الضَّلَالَاتِ وَالشَّكِّ الْمُبِينِ فَمَا فِيهِ فَأَكْثَرُهُ وَحْيُ الشَّيَاطِينِ
قُلْتُ: وَقَدْ سُئِلْتُ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى " الْمُحَصَّلِ " مَا يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ فِيمَا
¬_________
(¬1) ح، ب: الشَّيْطَانِ.

الصفحة 433