كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْحُكْمِ مَعْنًى إِلَّا تَعَلُّقُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ بِهِ، وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ لَا يُثْبِتُونَ (¬1) فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْأَعْمَالِ الصَّالْحَةِ خَاصَّةً تَمَيَّزَتْ بِهِ (¬2) عَنِ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى أَمَرَ بِهَا لِأَجْلِهَا، وَكَذَلِكَ فِي النُّبُوَّةِ.
وَالْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ شَرِيعَةً بِالْقِيَاسِ عَلَى عِبَادِهِ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُحَرَّمُ (¬3) عَلَيْهِمْ، وَلَا يَجْعَلُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ، وَرِضَاهُ وَسُخْطَهُ - لَهُ ثأثيرٌ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ صِفَاتُهَا ثَابِتَةٌ بِدُونِ الْخِطَابِ، وَالْخِطَابُ مُجَرَّدُ كَاشِفٍ، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ بِمَا هِيَ مُتَّصِفَةٌ بِهِ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَالِاصْطِفَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ التَّصْفِيَةِ، كَمَا أَنَّ الِاخْتِيَارَ افْتِعَالٌ مِنَ الْخِيرَةِ، فَيَخْتَارُ مَنْ يَكُونُ مُصْطَفًى. وَقَدْ قَالَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 124] (¬4) فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَجْعَلُهُ رَسُولًا مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلْهُ رَسُولًا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ يَصْلُحُ لِلرِّسَالَةِ (¬5) لَامْتَنَعَ هَذَا.
وَهُوَ عَالِمٌ بِتَعْيِينِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَتْ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا فَجَأَ الْوَحْيُ النَّبِيَّ (¬6)
¬_________
(¬1) ح: لَا يُثْبِتُونَهُ.
(¬2) ب: بِهَا.
(¬3) ح: مَا يُحَرِّمُونَ.
(¬4) ن، م، و: حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ.
(¬5) ح، ر: يَصِلُ إِلَى الرِّسَالَةِ، ي: يَصِلُ لِلرِّسَالَةِ.
(¬6) فَجَاءَ الْوَحْيُ النَّبِيَّ: كَذَا فِي (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالنَّبِيِّ.

الصفحة 437