كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَمَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْمُجَرَّدَاتِ الْمُفَارَقَاتِ لَا يَحْصُلُ مَعَهُمْ مِنْهُ غَيْرُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ ; فَإِنَّهَا تُفَارِقُ بَدَنَهَا. وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهُمْ عَلَى طَرِيقِهِمْ إِلَّا الْمُجَرَّدَاتُ الْمَعْقُولَةُ فِي الْأَذْهَانِ، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْمَعْقُولَةُ، وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، كَمَا يَظُنُّ شِيعَةُ أَفْلَاطُونَ (¬1) ثُبُوتَ الْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ فِي الْخَارِجِ، فَتَثْبُتُ (¬2) كُلِّيَّاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ مُفَارِقَةٌ (¬3) كَإِنْسَانٍ كُلِّيٍّ.
وَهَذَا هُوَ غَلَطُهُمْ (¬4) ، حَيْثُ ظَنُّوا مَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ مَوْجُودًا فِي الْأَعْيَانِ، وَكَذَلِكَ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْعَقْلُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَشِيعَةِ أَفْلَاطُونَ (¬5) تُثْبِتُ جَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الدَّهْرُ، وَجَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الْخَيْرُ، وَتُثْبِتُ جَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الْمَادَّةُ الْأُولَى الْمُعَارِضَةُ لِلصُّورَةِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي يُثْبِتُونَهَا إِذَا حُقِّقَتْ غَايَةَ التَّحْقِيقِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُورٌ مَعْقُولَةٌ فِي النَّفْسِ، فَيَتَصَوَّرُهَا فِي نَفْسِهِ، فَهِيَ مَعْقُولَاتٌ فِي قَلْبِهِ، وَهِيَ مُجَرَّدَةٌ عَنْ جُزْئِيَّاتِهَا الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ ; فَإِنَّ الْعَقْلَ دَائِمًا يَنْتَزِعُ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَشْهُودَةِ كُلِّيَّاتٍ مُشْتَرَكَةً عَقْلِيَّةً، كَمَا يَتَصَوَّرُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ إِنْسَانًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا يَنْطَبِقُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ،
¬_________
(¬1) م، ر، و: أَفْلَاطُنَ.
(¬2) ن، و: فَيَثْبُتُ.
(¬3) ن، م: مُقَارِنَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬4) ح، ر: وَعَلَى هَذَا مِنْ غَلَطِهِمْ.
(¬5) ن، م، و، ر: أَفْلَاطُنَ.

الصفحة 448