كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

عَنْ هَذَا، وَهَذَا أَوْ أَعَمَّ (¬1) مِنْ هَذَا وَهَذَا، قِيلَ: عَدَمُ نَظَرِ النَّاظِرِ لَا يُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: إِمَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِمَّا فِي الْخَارِجِ.
وَمَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهَا فَهُوَ أَيْضًا فِي الذِّهْنِ ; فَإِنَّكَ إِذَا قَدَّرْتَ مَاهِيَّةً لَا فِي الذِّهْنِ، وَلَا فِي الْخَارِجِ لَمْ تَكُنْ مُقَدِّرًا (¬2) إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ فِي الذِّهْنِ، لَا أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الَّتِي قِيلَ: عَنْهَا لَيْسَتْ فِي الذِّهْنِ - هِيَ فِي الذِّهْنِ، بَلِ الْمَاهِيَّةُ الَّتِي تَصَوَّرَهَا الْإِنْسَانُ فِي ذِهْنِهِ يُمْكِنُهُ تَقْدِيرُهَا لَيْسَتْ فِي ذِهْنِهِ، مَعَ أَنَّ تَقْدِيرَهَا لَيْسَتْ فِي ذِهْنِهِ هُوَ فِي ذِهْنِهِ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا.
بَلْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُقَيَّدَةِ بِكَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ، وَبَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي لَا تَتَقَدَّرُ بِذِهْنٍ وَلَا خَارِجٍ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ أَيْضًا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِنْ أَعْرَضَ الذِّهْنُ عَنْ كَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ. فَكَوْنُهَا فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ آخَرُ.
وَهَؤُلَاءِ يَتَصَوَّرُونَ (¬3) أَشْيَاءَ وَيُقَدِّرُونَهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَكِنْ حَالَ مَا يَتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ [شَيْئًا] (¬4) فِي ذِهْنِهِ وَيُقَدِّرُهُ، قَدْ لَا يَشْعُرُ بِكَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ، كَمَنْ رَأَى الشَّيْءَ فِي الْخَارِجِ، فَاشْتَغَلَ بِالْمَرْئِيِّ عَنْ كَوْنِهِ رَائِيًا لَهُ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمُ الْفَنَاءَ، الَّذِي يَفْنَى بِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ،
¬_________
(¬1) م، ب: وَأَعَمَّ
(¬2) ن، م: لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً
(¬3) ن، م: وَهَؤُلَاءِ يُصَوِّرُونَ، ح،: وَهُمْ لَا يَتَصَوَّرُونَ
(¬4) شَيْئًا: فِي (ب) وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ

الصفحة 458