كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: إِمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا مُحْدَثٌ، وَإِمَّا لَا قَدِيمٌ وَلَا مُحْدَثٌ، وَإِمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُمْكِنٌ، وَإِمَّا لَا وَاجِبٌ وَلَا مُمْكِنٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذَا.
وَدَخَلَ الْغَلَطُ عَلَى هَؤُلَاءِ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ مُجَرَّدَ تَقْدِيرِ الذِّهْنِ وَفَرْضِهِ يَقْتَضِي إِمْكَانُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الذِّهْنُ يَفْرِضُ أُمُورًا مُمْتَنِعَةً، لَا يَجُوزُ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَا تَكُونُ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا ذِكْرُ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْحَالَ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ: هَلْ يُمْكِنُ [كُلُّ] (¬1) أَحَدٍ اجْتِهَادٌ يَعْرِفُ بِهِ الْحَقَّ؟ أَمِ (¬2) النَّاسُ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِ قَادِرٍ؟ .
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْمُجْتَهِدُ الْعَاجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ: هَلْ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ أَمْ لَا يُعَاقِبُ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ بَعْضِ الصَّوَابِ؟
وَإِذَا عُرِفَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ، فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[جَمِيعُ] (¬3) مَا يُطْعَنُ بِهِ فِيهِمْ أَكْثَرُهُ كَذِبٌ، وَالصِّدْقُ مِنْهُ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً، وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، وَالذَّنْبُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬4) أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يُوجِبُ النَّارَ
¬_________
(¬1) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(¬2) ن: بَلْ.
(¬3) جَمِيعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬4) ر، ب، ي: أَحَدًا.

الصفحة 460