كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 5)

وَقَوْلُ الْقَائِلِ: كَيْفَ تَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالرَّعِيَّةِ عَلَى تَقْوِيمِهِ، مَعَ أَنَّ الرَّعِيَّةَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ؟
وَارِدٌ فِي كُلِّ مُتَعَاوِنَيْنِ وَمُتَشَارِكَيْنِ يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، حَتَّى الشُّرَكَاءِ فِي التِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ، وَإِمَامُ الصَّلَاةِ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَحْمِلُ عَنْهُمُ السَّهْوَ وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ يَسْتَعِينُ بِهِمْ إِذَا سَهَا فَيُنَبِّهُونَهُ عَلَى سَهْوِهِ وَيُقَوِّمُونَهُ، وَلَوْ زَاغَ فِي الصَّلَاةِ (¬1) فَخَرَجَ عَنِ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَتَّبِعُوهُ فِيهَا، وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ.
ثُمَّ يُقَالُ: اسْتِعَانَةُ عَلِيٍّ بِرَعِيَّتِهِ وَحَاجَتُهُ إِلَيْهِمْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنِ اسْتِعَانَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ تَقْوِيمُ أَبِي بَكْرٍ لِرَعِيَّتِهِ وَطَاعَتُهُمْ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ تَقْوِيمِ عَلِيٍّ لِرَعِيَّتِهِ وَطَاعَتِهِمْ لَهُ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانُوا إِذَا نَازَعُوهُ أَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْهِ، كَمَا أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى عُمَرَ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَانُوا إِذَا أَمَرَهُمْ أَطَاعُوهُ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنَّهُ (¬2) اتَّفَقَ رَأْيُهُ وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَى أَنْ يُبَعْنَ، فَقَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ.
وَكَانَ يَقُولُ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ; فَإِنِّي أَكْرَهُ الْخِلَافَ، حَتَّى يَكُونَ النَّاسُ جَمَاعَةً أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي.
وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ كَثِيرَةَ الْمَعْصِيَةِ لَهُ، وَكَانُوا يُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ الَّذِي
¬_________
(¬1) ح، ب: عَنِ الصَّلَاةِ.
(¬2) ح، ر، ب: الْأَوْلَادِ أَنَّهُ.

الصفحة 465