كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى -: " «ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» " (¬1) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِشَيْءٍ إِنِّي لَأَرَاهُ كَذَا وَكَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُولُ. (¬2)
فَالنُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ وَالِاعْتِبَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَأْيَ عُمَرَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ رَأْيِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا كَانَتْ آثَارُ رَأْيِهِ مَحْمُودَةً، فِيهَا صَلَاحُ (¬3) الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَهُوَ الَّذِي فَتَحَ بِلَادَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَأَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَأَذَلَّ بِهِ الْكُفْرَ وَالنِّفَاقَ، وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ الدِّيوَانَ، وَفَرَضَ الْعَطَاءَ، وَأَلْزَمَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالصَّغَارِ وَالْغِيَارِ، وَقَمْعِ الْفُجَّارِ، وَقَوَّمَ الْعُمَّالَ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِ أَعَزَّ مَا كَانَ.
وَمَا يَتَمَارَى فِي كَمَالِ سِيرَةِ عُمَرَ وَعِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلِهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ وَإِنْصَافٍ، وَلَا يَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا رَجُلٌ مُنَافِقٌ زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ عَدُوٌّ لِلْإِسْلَامِ، يَتَوَصَّلُ بِالطَّعْنِ فِيهِمَا إِلَى الطَّعْنِ فِي الرَّسُولِ وَدِينِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا حَالُ الْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ لِلرَّافِضَةِ، أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ، وَحَالُ أَئِمَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَإِمَّا جَاهِلٌ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ وَالْهَوَى، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى عَامَّةِ الشِّيعَةِ، إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فِي الْبَاطِنِ.
وَإِذَا قَالَ الرَّافِضِيُّ: عَلِيٌّ كَانَ مَعْصُومًا لَا يَقُولُ بِرَأْيِهِ، بَلْ كُلُّ مَا قَالَهُ فَهُوَ مِثْلُ نَصِّ الرَّسُولِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الْمَنْصُوصُ عَلَى إِمَامَتِهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ.
¬_________
(¬1) مَضَّى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
(¬2) الْأَثَرُ فِي الْبُخَارِيِّ: 5/48 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .، بَابِ إِسْلَامِ عُمَرَ.
(¬3) ر: صَالِحُ.

الصفحة 115