كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

وَإِنْ عَنِيَ بِالْمُصِيبِ الْعَالِمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَالْمُصِيبُ لَيْسَ إِلَّا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ.
وَهَذَا كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ، إِذَا أَفْضَى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْفَرْضُ سَاقِطٌ عَنْهُ بِصَلَاتِهِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي اعْتَقَدَ أَنَّهَا الْكَعْبَةُ، وَلَكِنَّ الْعَالِمَ بِالْكَعْبَةِ الْمُصَلِّيَ إِلَيْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ، وَهَذَا قَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَأَجْرُهُ أَعْظَمُ، كَمَا أَنَّ " «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1)
وَكَذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُفَوَّضَةِ بِأَنَّ مَهْرَهَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، مَعَ قَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرَوْعِ بِنْتِ وَاشِقٍ بِأَنَّ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا (¬2) . وَكَذَلِكَ طَلَبُهُ نِكَاحَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى غَضَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ (¬3) «وَقَوْلُهُ لَمَّا نَدَبَهُ وَفَاطِمَةَ [النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬4) إِلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ، فَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ لَمَّا قَالَ: " أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ " (¬5) فَقَالَ
¬_________
(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 4/2052 كِتَابِ الْقَدَرِ، بَابِ فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/31 الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ فِي الْقَدَرِ، 2/1395 كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 16/321، 17/20.
(¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 4/183
(¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 4/250 - 251.
(¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬5) أَلَا تُصَلِّيَانِ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَلَا تُصَلُّونَ.

الصفحة 28