كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)
وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ فِي (¬1) احْتِجَاجِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ بِكَوْنِ غَيْرِهِمْ يَنْفِي الْعِصْمَةَ عَنْ غَيْرِهِ احْتِجَاجًا لِقَوْلِهِمْ (¬2) بِقَوْلِهِمْ، وَإِثْبَاتُ الْجَهْلِ بِالْجَهْلِ.
وَمِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ شُيُوخِهِمْ: أَنَّهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُعْرَفُ قَائِلُهُ، وَالْآخَرُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، فَالصَّوَابُ عِنْدَهُمُ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ. قَالُوا (¬3) : لِأَنَّ قَائِلَهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ كَانَ مِنْ أَقْوَالِ الْمَعْصُومِ فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَائِلُهُ إِنَّمَا قَالَهُ الْمَعْصُومُ!
وَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ أَيْضًا لَمْ يُعْرَفْ (¬4) أَنَّهُ قَالَهُ، كَمَا لَمْ يُعْرَفْ (¬5) أَنَّهُ قَالَهُ الْآخَرُ. وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْصُومُ قَدْ قَالَ الْقَوْلَ الَّذِي يُعْرَفُ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَهُ، كَمَا أَنَّهُ يَقُولُ أَقْوَالًا كَثِيرَةً يُوَافِقُ فِيهَا غَيْرَهُ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ قَدْ قَالَهُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، بَلْ قَالَهُ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؟ فَهُمْ يَجْعَلُونَ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْقَوْلِ وَصِحَّتِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، كَمَا قَالُوا هُنَا: عَدَمُ الْقَوْلِ بِعِصْمَةِ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَكَمَا (¬6) جَعَلُوا عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْقَائِلِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ الْمَعْصُومِ. وَهَذَا (¬7) حَالُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ نُورِ السُّنَّةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ ; فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي ظُلُمَاتِ الْبِدَعِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
¬_________
(¬1) ن، م: مِنِ
(¬2) لِقَوْلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(¬3) ن، م: قَالَ.
(¬4) ن، م: وَلَمْ يُعْرَفْ.
(¬5) ن: كَمَا لَوْ يُعْرَفُ، م: كَمَا لَا يُعْرَفُ.
(¬6) ن، م: كَمَا.
(¬7) ن، ب: وَهَذِهِ.
الصفحة 442