كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

يَخْتَارُونَ ذَلِكَ. فَلَوْ أَلْزَمَ الْمُهَاجِرِينَ (¬1) وَالْأَنْصَارَ بِهَذَا، لَظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ جِنْسِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَمْثَالِهِ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ اخْتِصَاصَ الصِّدِّيقِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَآخِرًا، وَمُوَافَقَتَهُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.
فَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: إِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ كَارِهِينَ (¬2) لِمَنْ يَأْمُرُهُمْ بِمِثْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ، لَكِنْ لَمَّا أَلْزَمَهُمْ بِذَلِكَ احْتَاجُوا إِلَى الْتِزَامِهِ، لَوْ لَمْ يَقْدَحْ فِيهِمْ بِذَلِكَ لَمْ يُمْدَحُوا إِلَّا بِمُجَرَّدِ الطَّاعَةِ لِلْأَمْرِ، فَإِذَا كَانُوا بِرِضَاهِمْ وَاخْتِيَارِهِمُ اخْتَارُوا مَا يَرْضَاهُ (¬3) اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إِلْزَامٍ، كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِقَدْرِهِمْ، وَأَعْلَى لِدَرَجَتِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي مَثُوبَتِهِمْ (¬4) ، وَكَانَ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ هُوَ أَفْضَلَ الْأُمُورِ لَهُ وَلَهُمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَبَعْدَهُ أُسَامَةَ [بْنَ زَيْدٍ] (¬5) ، وَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِمَا (¬6) ، وَاحْتَاجُوا مَعَ ذَلِكَ إِلَى لُزُومِ طَاعَتِهِمَا. فَلَوْ أَلْزَمَهُمْ بِوَاحِدٍ لَكَانَ [يَظُنُّ] بِهِمْ (¬7) أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَانَ [فِي] (¬8) نُفُوسِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الصِّدِّيقُ (¬9) عِنْدَهُمْ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا أَحَدٌ.
فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى بَيْعَتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ (¬10) : إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُ،
¬_________
(¬1) ن، ب: الْمُهَاجِرُونَ.
(¬2) ن، ب: كَانُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬3) م: مَا يَرَاهُ.
(¬4) ب: فِي بُيُوتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬5) بْنَ زَيْدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ب) .
(¬6) ب: فِي أَصْلِ وِلَايَتِهِمَا.
(¬7) ن: لَكَانَ بِهِمْ، ب: لَكَانَ لَهُمْ.
(¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(¬9) م: لِلصِّدِّيقِ.
(¬10) م: أَحَدٌ قَطُّ.

الصفحة 454