كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)
الشَّرْعِ وَتَبْلِيغِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِصْمَةَ إِذَا حَصَلَتْ فِي الْحِفْظِ وَالتَّبْلِيغِ مِنَ النَّقَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا هُمُ الْأَئِمَّةَ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: لِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِصْمَةُ فِي الْحِفْظِ وَالْبَلَاغِ ثَابِتَةً لِكُلِّ طَائِفَةٍ بِحَسَبِ مَا حَمَلَتْهُ مِنَ الشَّرْعِ. فَالْقُرَّاءُ مَعْصُومُونَ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتَبْلِيغِهِ، وَالْمُحَدِّثُونَ مَعْصُومُونَ فِي حِفْظِ الْحَدِيثِ وَتَبْلِيغِهِ، وَالْفُقَهَاءُ مَعْصُومُونَ فِي فَهْمِ الْكَلَامِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى (¬1) الْأَحْكَامِ.
وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْمَعْلُومُ الَّذِي أَغْنَى اللَّهُ بِهِ (¬2) عَنْ وَاحِدٍ مَعْدُومٍ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَحْفَظُ الشَّرْعَ وَيُبَلِّغُهُ (¬3) إِلَّا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ مَعْصُومٍ عَنْ مَعْصُومٍ، وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الشَّرْعِ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمُ الْقُرْآنَ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ؟ وَلِمَ لَا [يَجُوزُ أَنْ] يَكُونَ (¬4) هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَقْرَؤُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ [اللَّهِ] (¬5) ؟ .
وَكَذَلِكَ مِنْ أَيْنَ لَكُمُ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْكَامِهِ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْصُومَ إِمَّا مَفْقُودٌ وَإِمَّا (¬6) مَعْدُومٌ.
¬_________
(¬1) ن، ب: فِي
(¬2) ب: بِهِ اللَّهُ، م: أَغْنَى أَنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬3) ب، م: وَتَبْلِيغُهُ.
(¬4) ن، ب: وَلِمَ لَا يَكُونُ.
(¬5) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (ن) .
(¬6) م: أَوْ.
الصفحة 461