كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)
فَإِنْ لَمْ تَقُمْ (¬1) بَطَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، وَإِنْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِبَيَانِ الرَّسُولِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعَيَّنٍ آخَرَ (¬2) يَفْتَقِرُ النَّاسُ إِلَى بَيَانِهِ، فَضْلًا عَنْ [حِفْظِ] (¬3) تَبْلِيغِهِ، وَأَنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الْقُوَّةِ النَّاقِلَةِ لِكَلَامِ الرَّسُولِ وَبَيَانِهِ كَافِيَةٌ مِنْ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ حِفْظَ مَا أَنْزَلَهُ مِنَ الذِّكْرِ، فَصَارَ ذَلِكَ مَأْمُونًا أَنْ يُبَدَّلَ أَوْ يُغَيَّرَ.
وَبِالْجُمْلَةِ دَعْوَى هَؤُلَاءِ الْمَخْذُولِينَ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ لَا يُحْفَظُ وَلَا يُفْهَمُ إِلَّا بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، مِنْ أَعْظَمِ الْإِفْسَادِ لِأُصُولِ الدِّينِ (¬4) . وَهَذَا لَا يَقُولُهُ - وَهُوَ يَعْلَمُ لَوَازِمَهُ - إِلَّا زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ، قَاصِدٌ (¬5) لِإِبْطَالِ الدِّينِ، وَلَا يَرُوجُ هَذَا إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغَهُمُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِدُونِ نَقْلِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا فَتَحَ الْأَمْصَارَ بَعَثَ إِلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مَنْ عَلَّمَهُمْ وَفَقَّهَهُمْ، وَاتَّصَلَ الْعِلْمُ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَا بَلَّغَهُ عَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِمَّا بَلَّغَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَمْثَالُهُمَا.
وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ. وَلَوْ لَمْ يُحْفَظِ الدِّينُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ عَلِيٍّ لَبَطَلَ عَامَّةُ الدِّينِ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَلَ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا أَمْرٌ قَلِيلٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ
¬_________
(¬1) م: فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ.
(¬2) م: إِلَى آخَرَ مُعَيَّنٍ.
(¬3) حِفْظِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(¬4) م: الْفَسَادُ لِأُصُولِ الْإِسْلَامِ.
(¬5) قَاصِدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
الصفحة 464