كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْقِتَالَ لَمْ يُحَصِّلِ الطَّاعَةَ الْمَطْلُوبَةَ، بَلْ زَادَ بِذَلِكَ عِصْيَانُ النَّاسِ لِعَلِيٍّ، حَتَّى عَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ خَوَارِجُ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَقَاتَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ جَيْشِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ (¬1) لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لَهُ مُطْلَقًا، وَكَانُوا قَبْلَ الْقِتَالِ أَطْوَعَ لَهُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقِتَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ، مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بِالْقِتَالِ يُحَصِّلُ الطَّاعَةَ.
قِيلَ: فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الِاجْتِهَادِ مَغْفُورًا، مَعَ أَنَّهُ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ أُلُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ حَصَلَ الْفَسَادُ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الصَّلَاحِ، أَفَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ، لَوْ قُتِلَ لَحَصَلَ بِهِ نَوْعُ الْمَصْلَحَةِ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الْفَوَاحِشِ، اجْتِهَادًا مَغْفُورًا؟ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ، بَلْ هَمَّ بِهِ وَتَرَكَهُ.
وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي السِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ (¬2) فِي الْحُدُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ: لَكِنَّ (¬3) الْمُشْكِلَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ: هَلْ يُعَاقَبُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ؟ هَذَا مَوْضِعٌ مُشْتَبَهٌ؛ فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ بِعُقُوبَةِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي دَفْعِ الْفَسَادِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِحُصُولِ مَصْلَحَةِ النَّاسِ، وَالْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ
¬_________
(¬1) ر، ي، م: أَوْ أَكْثَرُهُمْ.
(¬2) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .
(¬3) لَكِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

الصفحة 48