كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» " (¬1) .
وَوَافَقَ رَبَّهُ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ بِمِثْلِ مَا قَالَ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ (¬2) .
وَهَذَا لِكَمَالِ نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 115] فَاللَّهُ - تَعَالَى - بَعَثَ الرُّسُلَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ؛ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَتَمَّ عِلْمًا وَعَدْلًا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ.
وَهَذَا كَانَ فِي عُمَرَ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْعَمَلِ وَالْعَدْلِ ظَاهِرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَيُعْرَفُ بِرَأْيِهِ وَخِبْرَتِهِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيُعْرَفُ بِمَسَائِلِ النِّزَاعِ الَّتِي لَهُ فِيهَا قَوْلٌ وَلِغَيْرِهِ فِيهَا قَوْلٌ؛ فَإِنَّ صَوَابَ عُمَرَ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَمُوَافَقَتَهُ لِلنُّصُوصِ أَكْثَرُ مِنْ صَوَابِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
¬_________
(¬1) جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ، وَبِلَفْظٍ: وَضَعَ الْحَقَّ، وَبِلَفْظٍ: ضَرَبَ الْحَقَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/191 - 192 كِتَابِ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابِ فِي تَدْوِينِ الْعَطَاءِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/280 كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ مَنَاقِبِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/40 الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 7/155، 8/77 ط. الْحَلَبِيِّ 2/401، 5/145، 165، 177
(¬2) سَيَأْتِي هَذَا الْأَثَرُ فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.

الصفحة 56