كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ (¬1) ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَوْلَا ثَلَاثٌ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ لَحِقْتُ بِاللَّهِ، لَوْلَا أَنْ أَسِيرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ أَضَعَ جَبْهَتِي فِي التُّرَابِ سَاجِدًا، أَوْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طِيبَ الْكَلَامِ كَمَا يُلْتَقَطُ طِيبُ الثَّمَرِ " (¬2) .
وَكَلَامُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَجْمَعِ الْكَلَامِ [وَأَكْمَلِهِ، فَإِنَّهُ مُلْهَمٌ] (¬3) مُحَدِّثٌ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلَامِهِ تَجْمَعُ عِلْمًا كَثِيرًا، مِثْلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهُنَّ (¬4) ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالْجِهَادَ وَالْعِلْمَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ الْجِهَادُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الصَّلَاةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: الْعِلْمُ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْآخَرِينَ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، وَهَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ يَفْعَلُونَ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَعُمَرُ جَمَعَ الثَّلَاثَ.
وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
¬_________
(¬1) يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (ر) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَحْيَى بْنُ أَبِي جَعْدَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، رَوَى عَنْهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/192 - 193
(¬2) ح، ر، ي: التَّمْرِ.
(¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانَهُ بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) .
(¬4) ن، م: الَّتِي ذَكَرَهَا.

الصفحة 75