كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 6)

الْإِقْرَارِ أَوْ كَذِبِهِ، بَلْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الظَّاهِرَةُ يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَحْصُلُ بِكَثِيرٍ مِنَ الشَّهَادَاتِ وَالْإِقْرَارَاتِ.
وَالشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا لَا يَكَادُ يُقَامُ بِهَا حَدٌّ، وَمَا أَعْرَفُ حَدًّا أُقِيمَ بِهَا (¬1) ، وَإِنَّمَا تُقَامُ الْحُدُودُ (¬2) إِمَّا بِاعْتِرَافٍ، وَإِمَّا بِحَبَلٍ، وَلَكِنْ يُقَامُ بِهَا مَا دُونُ الْحَدِّ، كَمَا إِذَا رُئِيَا مُتَجَرِّدَيْنِ فِي لِحَافٍ وَنَحْوِ (¬3) ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْحَدَّ يُقَامُ بِالْحَبَلِ، فَلَوْ وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
وَالْوِلَادَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ نَادِرَةٌ إِلَى الْغَايَةِ، وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ قَدْ لَا تَخْطُرُ بِالْبَالِ، فَأَجْرَى عُمَرُ ذَلِكَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ فِي النِّسَاءِ، كَمَا فِي أَقْصَى الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مَنِ النِّسَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلِدُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يُوجَدُ قَلِيلًا مَنْ تَلِدُ لِسَنَتَيْنِ، وَوُجِدَ نَادِرًا مَنْ وُلِدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَوُجِدَ مَنْ وُلِدَتْ لِسَبْعِ سِنِينَ، فَإِذَا وَلَدَتِ امْرَأَةٌ بَعْدَ إِبَانَةِ زَوْجِهَا لِهَذِهِ الْمُدَّةِ، فَهَلْ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ. فَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَحُدُّ لِأَقْصَى الْحَمْلِ الْمُدَّةَ النَّادِرَةَ، هَذَا يَحُدُّ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا يَحُدُّ أَرْبَعًا (¬4) ، وَهَذَا يَحُدُّ سَبْعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ نَادِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِذَا أَبَانَهَا وَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ، مَعَ ظُهُورِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَجِبْ إِلْحَاقُهُ بِهِ.
¬_________
(¬1) ح، ب: وَمَا أَعْرَفُ أَحَدًا أَقَامَ بِهَا،
(¬2) وَإِنَّمَا يُقَامُ الْحَدُّ،
(¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) .
(¬4) ح، ب: أَرْبَعَ سِنِينَ.

الصفحة 95