كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 7)

الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ عَلَى عِبَادِهِ وَأَنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَإِنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَرَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا (¬1) يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يُسَمَّى الْمُتَوَلِّي، مِثْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا لَا يُقَالُ إِنَّهُ مُتَوَلٍّ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ قَدْرَهُ أَجَلُّ مِنْ هَذَا. بَلْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَهُ إِلَّا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مِنَ الْخُلَفَاءِ " أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ " هُوَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ كَانَ أَمِيرًا فِي سَرِيَّةٍ، فَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ إِمَارَةٌ خَاصَّةٌ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ، لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بِإِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا قَبْلَ عُمَرَ، وَكَانَ خَلِيقًا بِهَذَا الِاسْمِ.
وَأَمَّا الْوَلَايَةُ الْمُخَالِفَةُ لِلْعَدَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ; فَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ، وَمَنْ عَادَى لَهُ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَهُ بِالْمُحَارَبَةِ. وَهَذِهِ الْوَلَايَةُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، لَيْسَتْ كَوِلَايَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 111] . فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ (¬2) مِنَ الذُّلِّ، بَلْ هُوَ الْقَائِلُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] بِخِلَافِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ لِذَاتِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَنْصُرُهُ.
¬_________
(¬1) س، ب: لَا.
(¬2) م: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ، س، ب: فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ.

الصفحة 30