كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 7)

وَلِهَذَا كَانَ صَاحِبُ دَعْوَى الْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ رَتَّبَ دَعْوَتَهُ مَرَاتِبَ: أَوَّلُ مَا يَدْعُو الْمُسْتَجِيبَ إِلَى التَّشَيُّعِ، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ قَالَ لَهُ: عَلِيٌّ مِثْلُ النَّاسِ، وَدَعَاهُ إِلَى الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ أَيْضًا، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ دَعَاهُ إِلَى الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ (¬1) دَعَاهُ إِلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ، هَكَذَا (¬2) تَرْتِيبُ كِتَابِهِمُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ " الْبَلَاغَ الْأَكْبَرَ "، وَ " النَّامُوسَ الْأَعْظَمَ "، وَوَاضِعُهُ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ إِلَى الْقَرْمَطِيِّ الْخَارِجِ بِالْبَحْرَيْنِ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى مَكَّةَ، وَقَتَلُوا الْحُجَّاجَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ، وَأَسْقَطُوا الْفَرَائِضَ، وَسِيرَتُهُمْ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَكَيْفَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَبْغُضُ عَلِيًّا مَاتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَالْخَوَارِجُ كُلُّهُمْ تُكَفِّرُهُ وَتَبْغُضُهُ؟ ! وَهُوَ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُهُمْ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَلْ يَجْعَلُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِغَيْرِ مَا يَحْكُمُ بِهِ (¬3) بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَسُبُّهُ وَيَبْغُضُهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ وَيَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَيَحُجُّ الْبَيْتَ وَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ ! وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ (¬4) خَفِيَ عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا إِمَامًا، أَوْ عَصَاهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ.
وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ وَالْجُمْهُورَ لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ غَرَضٌ فِي تَكْذِيبِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ الرَّسُولَ جَعَلَهُ إِمَامًا كَانُوا أَسْبَقَ النَّاسِ إِلَى التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ.
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)
(¬2) س، ب: هَذَا
(¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(¬4) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

الصفحة 410