كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 7)
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلَا يُصَدِّقُونَ بِالنَّقْلِ وَيُكَذِّبُونَ [بِهِ] (¬1) بِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ مَا يَعْتَقِدُونَ، بَلْ قَدْ يَنْقُلُ الرَّجُلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِيهَا فَضَائِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَرُدُّونَهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا كَذِبٌ، وَيَقْبَلُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لِصِحَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ: إِمَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، أَوْ لَهَا تَفْسِيرٌ لَا يُخَالِفُونَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
فَالْأَصْلُ فِي النَّقْلِ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَعُلَمَائِهِ، وَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا يَعْلَمُونَ، وَأَنَّ يُسْتَدَلَّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الرِّوَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَهَذَا. وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ: " رَوَاهُ فُلَانٌ " لَا يَحْتَجُّ بِهِ: لَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا الشِّيعَةُ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَحْتَجُّ بِكُلِّ حَدِيثٍ رَوَاهُ كُلُّ مُصَنِّفٍ، فَكُلُّ حَدِيثٍ يَحْتَجُّ بِهِ نُطَالِبُهُ مِنْ أَوَّلِ مَقَامٍ بِصِحَّتِهِ.
وَمُجَرَّدُ عَزْوِهِ إِلَى رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي تَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ، لَا [فِي] (¬2) الصِّحَاحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ (¬3) وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَذِبَ مِثْلِ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ.
وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ ظَنِّ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْعَامَّةِ - وَبَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي غِمَارِ الْفُقَهَاءِ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَنَحْوَهُ كَانُوا مِنْ قَبْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
¬_________
(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(¬2) فِي: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(¬3) ب: الْمَسَانِدِ.
الصفحة 42