كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 7)

وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] .
لَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَلِّغْ شَيْئًا مِنْ إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَلَهُمْ عَلَى هَذَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يُثْبِتُونَ بِهَا هَذَا الْعِلْمَ.
مِنْهَا: أَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَنُقِلَ، كَمَا نُقِلَ أَمْثَالُهُ مِنْ حَدِيثِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ مَا يُنْقَلُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ، فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ الْحَقُّ [الصِّدْقُ] (¬1) الَّذِي قَدْ بُلِّغَ لِلنَّاسِ؟ ! .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّتَهُ بِتَبْلِيغِ مَا سَمِعُوا مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ، وَطَلَبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، فَأُنْكِرَ (¬2) ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: الْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَرَوَى الصَّحَابَةُ فِي [مَوَاطِنَ] (¬3) مُتَفَرِّقَةٍ الْأَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (¬4) : " أَنَّ «الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ» " (¬5)
¬_________
(¬1) الصِّدْقُ: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(¬2) ب: فَأَنْكَرُوا.
(¬3) مَوَاطِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(¬4) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(¬5) الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ " ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/298 - 301 حَدِيثٌ رَقْمُ 520 وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُطَوَّلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/129 وَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ عَنْهُ: حم مُسْنَدُ أَحْمَدَ، ن سُنَنُ النَّسَائِيِّ، الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، وَقَالَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ إِنَّ الطَّيَالِسِيَّ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، إِلَخْ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا، وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فَجَّارِهَا. الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَالْحَاكِمَ أَخْرَجَاهُ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، 4/75 - 76 وَفِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلْطَبَرَانِيِّ ص 85 وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/192 وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَلْبَانِيِّ أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/421، 424 وَذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ رَقْمُ 1009، 1029

الصفحة 48