كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 7)
وَرُبَّمَا رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ (¬1) مِنَ الْجُوعِ، وَقَدْ كَانَ (¬2) يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رِجَالًا قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . (¬3)
فَكَيْفَ يُظَنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ رَغِبَ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ؟ ! وَأَيُّ مَدْحٍ لِمَنْ رَغِبَ عَنْهَا، ثُمَّ كَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ بِالْعِرَاقِ، وَلَا يَقْتَاتُ إِلَّا شَعِيرًا مَجْرُوشًا لَا أُدْمَ لَهُ، وَلَا يَأْكُلُ خُبْزَ بُرٍّ وَلَا لَحْمًا، وَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَلْ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ أَوْ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " كَانَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفًا، وَنَعْلُهُ لِيفًا ".
فَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ وَلَا مَدْحَ فِيهِ ; فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَعْلَ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْجُلُودِ، وَحَمَائِلَ) (¬4) سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ (¬5) ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَاللَّهَ قَدْ يَسَّرَ الرِّزْقَ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ مَدْحٍ فِي أَنْ يَعْدِلُوا عَنِ الْجُلُودِ مَعَ تَيَسُّرِهَا؟ وَإِنَّمَا يُمْدَحُ هَذَا عِنْدَ الْعَدَمِ.
¬_________
(¬1) م: بِالْحَجَرِ
(¬2) س، ب: وَكَانَ
(¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/29 - 30
(¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)
(¬5) ن، م، س: كَانَ
الصفحة 491