كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 7)
وَلَمْ يُحْفَظْ لِأَبِي بَكْرٍ فُتْيَا تُخَالِفُ نَصًّا، وَقَدْ وُجِدَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا فَتَاوَى كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ النُّصُوصَ، حَتَّى جَمَعَ الشَّافِعِيُّ مُجَلَّدًا فِي خِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ كِتَابًا كَبِيرًا فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي الْجَدِّ، وَالصَّوَابُ فِي الْجَدِّ قَوْلُ الصِّدِّيقِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَذَكَرْنَا فِيهِ عَشَرَةَ وُجُوهٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ (¬1) ، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ مَعَهُ فِي الْجَدِّ: نَحْوُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ، وَالَّذِينَ (¬2) نُقِلَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ: كَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمُ اضْطِرَابًا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ قَوْلِهِمْ.
وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ " الْإِجْمَاعَ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، كَيْفَ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْتِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيَخْطُبُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَإِيَّاهُ - يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا هَاجَرَا، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَهُوَ سَاكِتٌ يُقِرُّهُ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِغَيْرِهِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُشَاوَرَتِهِ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَالرَّأْيِ يُقَدِّمُ فِي الشُّورَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهُمَا اللَّذَانِ يَتَكَلَّمَانِ فِي الْعِلْمِ، وَيَتَقَدَّمَانِ
¬_________
(¬1) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 59 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: " وَلَهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ "
(¬2) س، ب: وَالَّذِي
الصفحة 502